وهي من أوليات حق المسلم على أخيه المسلم, قال صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم ست).قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: (إذا لقيتَه فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبْه، وإذا استنصحك فانصحْ له، وإذا عطس فحمد فشمِّته، وإذا مرض فَعُدْه (فزُرْه) وإذا مات فاتبعه (أي سِرْ في جنازته) مسلم.
وللنصيحة آداب وشروط منها :
1- أن تكون خالصة لوجه الله وهدفها إرضاء الله و حده .الناصح لا بد أن يكون مخلصا لله تعالى في النصح بحيث لا يكون قصده الرياء ولا السمعة ولا لتحقيق غرض دنيوي ولا لإظهار تميز الناصح.
فالنصيحة ثقيلة على القلوب ولن تتقبلها إلا إذا خرجت من قلب طاهر نقي , لأن ما خرج من القلب يدخل مباشرة إلى القلب , والله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له وحده .
قال حماد بن سلمة إن صلة بن أشيم مر عليه رجل قد أسبل إزاره فهم أصحابه أن يأخذوه بشدة فقال دعوني أنا أكفيكم فقال يا ابن أخي إن لي إليك حاجة قال وما حاجتك يا عم قال أحب أن ترفع من إزارك فقال نعم وكرامة فرفع إزاره فقال لأصحابه لو أخذتموه بشدة لقال لا ولا كرامة وشتمكم . الأحياء 2/335 .
مر أبو الدرداء رضي الله عنه يوما على رجل قد أصاب ذنبا ، والناس يسبونه ،فنهاهم وقال : ( أرأيتم لو وجدتموه في حفرة ألم تكونوا مخرجيه منها..؟ قالوا : بلى قال رضي الله عنه : فلا تسبوه إذا ، وحمدوا الله الذي عافاكم قالوا : أنبغضه..؟قال رضي الله عنه : إنما أبغضوا عمله ، فإذا تركه فهو أخي" مصنف عبد الرزاق 11/180 والزهد لأبي داود 1/248 وشعب الإيمان للبيهقي 5/290.
2- لا تنصح بناء على شبهة أو ظن لم يتثبت منه .السلم يحسن الظن بإخوانه, ولا يأخذهم بالشبهة , قال تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" الحجرات6 , ولا يشتعل بعيوبهم عن عيبه قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ " الحجرات : 12 .
يقول ابن كثير : " يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة وال تخون للأهل والأقارب والناس في غير محله؛ لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليجتنب كثير منه احتياطا، وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه قال: ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرا، وأنت تجد لها في الخير محملا " تفسير ابن كثير 7/377 , رواه أحمد في الزهد كما في الدر المنثور (7/565).
قالت بنت عبد الله بن مطيع لزوجها طلحة بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم وكان طلحة أجود قريش في زمانه قالت: " ما رأيت قوما ألأم من إخوانك، قال لها: مه مه! ولم ذلك؟ قالت: أراهم إذا أيسرت لزموك، وإذا أعسرت تركوك، فقال لها: هذا والله من كرم أخلاقهم، يأتوننا في حال قدرتنا على إكرامهم، ويتركوننا في حال عجزنا عن القيام بحقهم، فانظر كيف تأول طلحة صنيع إخوانه معه، وهو ظاهر القبح والغدر بأن اعتبره وفاء وكرما" . الماوردي : أدب الدنيا والدين 222.
3- البعد عن الجريح أو التأنيب أو إيذاء المشاعر.النصيحة ليس معناها التجريح أو الفضيحة، ولقد كان الرسول – صلي الله عليه و سلم- يفضل الأسلوب غير المباشر في النصح فيقول : " ما بال أقوام يفعلون كذا و كذا " فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:' مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ' رواه البخاري والنسائي وأبوداود وابن ماجه والدارمي وأحمد .
وعن عَائِشَةُ رضي الله عنها قالت: صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَرَخَّصَ فِيهِ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ:'مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَن الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً' رواه البخاري ومسلم وأحمد .
فالنصح أن تدلَّ الشخص على الخير ... وأن ترشده إلى الحق، كما كان عمر بن الخطاب يطلب إلى الناس أن ينصحوه ويقول: مرحبًا بالناصح أبد الدهر، مرحبًا بالناصح غدوًا وعشيًا . رواه الطبري في التاريخ (2/579). .
فالأولى الإسرار بالنصيحة وعدم التشهير والحرص على الستر، فالنصيحة أمام الناس توبيخ وتقريع لا يقبله الناس، قال مسعر بن كدام رحمه الله: رحم الله من أهدى إليّ عيوبي في سر بيني وبينه، فإن النصيحة في الملأ تقريع , وكان عمر رضي الله عنه يقول على المنبر " رحم الله مَن أهدى إليَّ عيوبي"انظر: سنن الدارمي (1/166) .